mercredi 23 avril 2014

"الرقيب الخالد" لكلثوم زياد : في ظل الشريط الروائي و محمد ملص

في البدء, صور تحيل في اهتزازها الى العدم و الدمار دون أن تفصح عن مأتاها. ربما وقع التقاطها بواسطة هاتف جوال يتنقل بين مبان مهجورة غطت حيطانها شعارات موالية للنظام، و في طريق تقطع تارة مشيا على الأقدام و أخرى على متن سيارة. و تظل هوية الذي يحمل الكاميرا مجهولة، إلا أن الصور تتضمن إشارة : إذ نرى أحيانا قدمين و جزءا من بدلة عسكرية. وفي حدود نهاية الشريط تتضح الرؤية أكثر و ينجلي بعض الغموض عن هوية من يحمل الكاميرا، فيخرج الراوي عن صمته، و يقول لنا عبر الأسطر التي تسبق الجنيريك أنه انشق عن الجيش العربي السوري، وأنه لن ينضم الى الجيش السوري الحر، وأنه قرر حمل كاميرا عوضا عن سلاح. في الحقيقة لا يصبح الراوي مخرجا بمجرد القرار الذي أبلغه للمشاهد في نهاية الشريط، إذ يمكن اعتبار نص هذا القرار ذريعة روائية لفلم وثائقي : فالراوي يتقمص شخصية المخرج دون أن يشير الى علاقته بالكاميرا التي ابتدأت قبل اندلاع الثورة و الى حقيقة دوره في الجيش العربي السوري. فحامل الكاميرا, و هو شأن المخرج أيضا, لا يلبس البدلة العسكرية في بداية الشريط إلا لأنه كان يؤدي خدمته العسكرية. ولا نعلم وجهة الشخصية التي تسير بنا في فضاءات عمها الدمار واكتسحتها الشعارات الدعائية إلا عندما يتصل به شخص يوجد بمكان تصوير فيلم. وهكذا ننتقل من الصور المهتزة - التي يبدو أنها التقطت خلسة - الى مشاهد تصوير شريط تطرح بدورها تساؤلات تتعلق بكيفية التصوير في خضم عاصفة الحرب الأهلية. اذ يمكن اعتبار الجزء الثاني من شريط زياد كلثوم مجموعة مشاهد من "صناعة فيلم" محمد ملص، أو بالأحرى، فيلما وثائقيا حول تصوير شريط محمد ملص في أماكن من دمشق لم يطلها بعد الدمار، ولكنها تظل عرضة للقصف، اذ نسمع دوي الطائرات والانفجارات في أماكن غير بعيدة ولكنها توجد خارج الحقل. بذلك يصبح المسموع و اللامرئي بقدر أهمية المرئي. و يقف بنا الشريط أيضا عند وقع الدمار الذي يطال الأفراد من خلال شهادات يدلي بها التقنيون و الممثلون وكذلك المارة، من مناصري للنظام أو معارضيه, ينتابهم الخوف والهذيان على حد سواء. نستشف من شهاداتهم وقع الحرب ووقع عقود من الاستبداد على النفوس و الوعي الجماعي. وهكذا ننساق خارج اطار "صناعة الفيلم" في عملية توثيق لكوابيس جماعية تجتاح الواقع والخيال. وان كانت الصورة أقل اهتزازا في الجزء الثاني من "الرقيب الخالد"، لكنها تحمل آثار الرياح التي عصفت بالواقع، فتدور الكاميرا حول نفسها وبسرعة متفاوتة في بعض اللقطات، لتخلف حالة من الدوار والاهتزاز تحيل الى تأرجح الكيان الجماعي والذاكرة. والجدير بالذكر أن تلك الخاصية الأسلوبية - المتمثلة في عدم الانتظام و عدم الاكتراث الظاهري بجمالية الصورة - تبعدنا عن سينما محمد ملص القائمة على أدبية النص و جمالية الصورة كنتيجة لعمل دقيق ومعقد يُخضِع الواقع للاطار، ويكاد ينفي ما يستعصي فيه على الرقي الى تلك الجمالية المنشودة ("الليل" مثالا). كما يوجد في مخيال محمد ملص ضرب من الحنين الى بدايات السينما في سوريا. ويتجلى الفارق بين نظرة ملص و الصور التي التقطتها عدسة زياد كلثوم في مشهد قاعة سينما، توجد في مبنى مهجور، تتكدس فيه الأشرطة بطريقة عشوائية، لتضعنا أمام مشهد فوضى الذاكرة الجماعية وضياعها. تكمن أهمية "الرقيب الخالد" في عملية توثيقه للعيش في قلب الدمار، وفي احالته غير المباشرة الى مقاربات مختلفة تتعلق بتصوير الواقع، والى تصورات مختلفة للسينما يحملها جيلان من المخرجين السوريين. إنصاف ماشطة نشر المقال باللغة الفرنسية في يومية اللقاءات الدولية للسينماءات العربية بمرسيليا تحت عنوان Le Sergent immortel de Ziad Kalthoum : un documentaire à l’ombre de la fiction et de Mohamed Malas.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire